الأحد، 10 يناير 2016

المنهج الشيعي الأنساني . السيد السيستاني مثال

" السيستانيّة "
" مرحلةٌ من مراحل تطوّر العقل الشيعيّ الفاعل "

العقل الذي لاينتج فكراً لاحياة له والفكر الذي لايرشح حركةً لا جدوى منه والحركة التي لاتثمر فعلاً فالسكون منها أغلى والفعل الذي لايصيب خيراً فالموت به أولى .
مَن منّا ينسى الأيّام الأُولى من  عام التغيير في العراق ومارافقها من مواقف وأحداث كادت تودي إلى مهاوي سحيقة وعواقب وخيمة ودروب معتمة مخيفة ؛ بفعل سلوكيّاتٍ جاهلة ومغامراتٍ طائشة وتحريكات مراهقة وتصفية حساباتٍ لاواقع لها وتفريغ ضغائن لاأساس لها وإبراز أحقادٍ لامبرّر لها ..
يالها من أوقات عصيبة وظروف رهيبة مرّت وانقضت ، يالها من لحظات لايمكن نسيانها والتغاضي عنها أبدا ؛ كونها تمثّل تجربةً مريرةً عانى منها الجميع ماعانى ، ولاسيّما المرجعيّة العليا ، التي قبضت على جمرة الإيمان والصبر بفعل الخزين المبدئي الثرّ الراشح معرفةً وحكمةً ودرايةً وتدبيرا .
لسنا بصدد نبش الماضي وتهييج المشاعر والأحاسيس بقدر ما نسعى إلى بلوغ المقصد الذي عقدنا لأجله بحثنا هذا ، حيث نروم بالاستعراض الخاطف السريع لبعض الوقائع والمواقف التي حصلت طيلة الثلاثة عشر عاماً من تجربة التغيير، نروم إثارة زاويةٍ من زوايا المدّعى ، تاركين زوايا البحث الأُخرى للمطارحة والدراسة والتحليل الإنتاجيّ المنهجيّ العلميّ الرصين.

" هذا الرجل إيراني ، يجب أن يترك العراق "  إنّه مضمون بعض ماهتفت به تلك الوجوه البائسة الجاهلة المغلوبة على أمرها ، مستهدفةً المرجعيّة الدينيّة العليا ؛  بفعل تحريك مجموعةٍ دفعتها أوهامها وأحلامها إلى القيام بأعمالٍ شنيعةٍ لاتمتّ إلى الدين والأخلاق والإنسانيّة بأيّة صلة .
ياللرفعة ، فنفس هذا الرجل الإيراني ، قد أنقذ المجموعة المعهودة من خطرٍ أكيد ومصيرٍ رهيب كان قد أحاط بها آنذاك من كلّ حدبٍ وصوب ، ممّا حدا بها إلى الإذعان بعدذاك بشموخ المرجعيّة العليا وكلمتها الفصل .

ولانستثني الكثير من الأحزاب والتيّارات والكتل والانتماءات المختلفة التي سعت ولازالت تسعى إلى تضعيف دور المرجعيّة عبر شتّى الوسائل والأساليب ، تلك التي لم ولن تجد في ردّة فعل المرجعيّة سوى المحبّة والحنوّ عليها بعطفٍ وإشفاق . وليس ذلك بمستغرَبٍ من أب الأُمّة الذي طالما منحها ويمنحها غاية حرصه وهيامه .

وكيف لنا أن ننسى مساعي الولايات المتّحدة الأميركيّة بأعلى مستوياتها ، كراراً ومراراً ، إلى إقناع سماحة المرجع الأعلى مدّ ظلّه بعقد ولو لقاءٍ واحدٍ مباشر ، بل رفض سماحته حتى اللقاءات غير المباشرة معها . هذه الدولة العظمى هي التي وقفت مسلّمةً بأرقى قياداتها على الحكمة والحنكة والمنزلة والتأثير اللائي يمتاز بهنّ المرجع الأعلى ، ولعلّ ماورد في المشافهات والمدوّناتٍ المطبوعةٍ لكثيرٍ من أصحاب القرار العالمي والغربي على وجه الخصوص من تحليلٍ وبحثٍ معمّقٍ في شخصيّته دام ظلّه خيرُ شاهدٍ على إقرارهم  بمدى النفوذ والتأثير الساحرين اللذين يتمتع بهما دام بقاؤه  .

وهل يمكن المرور بسهولةٍ على جهود التنسيق العليا بين إيران والعراق ، بين العليّين ، التي أثمرت نتاجاً طيّباً عمّ خيره الجميع وجنّب المنطقة والعالم أخطاراً لاتُحمد عقباها .

ولي أن أشهد شهادة حسٍّ على دعوة مسؤولٍ إقليميٍّ  كبير إلى العمل على نشر التشيّع بنهجه السيستاني .
نعم ، فالسيّد السيستاني ، هو المرجع الدينيّ الذي ترجم العقل الشيعي التنظيري إلى ممارسةٍ ميدانيّة فاعلة خيّرة ، إنّه تبنّى نهجاً عقَديّاً أخلاقيّاً عقلانيّاً قائماً على الجذب والاستقطاب ، على الحبّ والوئام والأُلفة والسلام ، على احترام كرامة الإنسان وحقّه في العيش بحرّيّةٍ وأمان .
ولقد نفذ هذا النهج إلى القلوب والعقول بنحوٍ مدهشٍ مثير وبسرعةٍ فاقت كلّ التصوّرات والتوقّعات ، حتى قيل : إنّ تأثير نهج السيستاني غطّى على الجهود المبذولة طيلة العقود الماضية ، واستطاع إبراز التشيّع بشكلٍ أنيق ومحتوىً جذّابٍ يختلف عمّا طرحته  بعض الأفكار والكيانات .
إنّ نهج السيستاني استطاع سحب الذرائع من الجميع ؛ ولاسيّما أنّه خاطب الكلّ بلسانهم ، خطاب إخلاصٍ وصدقٍ وثبات .

لقد تمكّن السيستاني بفعل نهجه العقلاني المعهود ، وبفضل خصائصه التي امتاز بها ، كالحكمة والمعرفة والزهد والتواضع ، الراشحة من إيمانه الراسخ وتجسيده  لقيم الدين الحنيف والمبادىء الحقّة أروع تجسيد .. تمكّن من إحداث تغييرٍ أساسيٍّ في بُنى العقل الشيعي الفاعل والتفكير الإثني عشري العامل ؛ إذ استطاع إيجاد أرقى حالات التناغم والانسجام بين الخطاب والقراءة ، بين الإرسال والتلقّي ، بين العقل المفكّر والعقل الفاعل المبلور ، بين التنظير الخيّر والتطبيق الخيّر .
بعبارةٍ أُخرى : إنّ السيستاني أوجد وابتكر حالةً وظاهرةً في العقل الشيعي الميداني ، تنامت بفعل الممارسة المعرفيّة القيّمة السليمة ، بحيث أخرجت هذا العقل من شرنقة التنظير الجامد إلى التفكير الفاعل ، وبثّت فيه روح المعاصرة والنموّ الإنسانيّ المستند إلى الأُصول والثوابت المعروفة . " لذا يمكن عدّها بجرأةٍ مرحلةً من مراحل تطوّر العقل الشيعيّ الفاعل " .
ولابدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الفتح لم يرق لبعض الذين عجزت عن بلوغه وتحقيقه موسوعاتهم  التنظيريّة الساكنة الخامدة ، حتى راحوا يبثّون التهم الباطلة والشبهات السخيفة والإشكالات الخفيفة النابعة من الرغبات الذاتيّة والأهواء الشخصيّة ؛ كيف لا ؟! وهي " شنشنةٌ أعرفها من أخزم ".

ينبغي علينا دراسة هذه المرحلة من مراحل  " تطوّر العقل الشيعيّ الفاعل " دراسةً علميّةً خاضعةً للمنهج المعرفيّ السليم بأدواته المعهودة من القراءة والمراجعة والبحث والحفر والمقارنة والاستقراء والتحليل والاستنتاج ، ولانترك هذه الفرصة للأجيال اللاحقة فقط ؛ بسبب معاصرتنا لمؤسّس ومنشىء المرحلة المذكورة ، الذي بإمكاننا الاسترفاد من وجوده المبارك مادام حيّاً متّع الله الأنام بطول عمره الشريف .

بقلم : الحاج كريم الأنصاري

الناشر : السيد كرار الجابري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق